كتب جوش ليبسكي، مدير مركز الجيواقتصاديات في أتلانتيك كاونسل، تحليلاً يكشف فيه أنّ الأجندة الاقتصادية للرئيس الأميركي دونالد ترامب تتجه نحو مواجهة مباشرة مع المحكمة العليا. في الأسابيع المقبلة، سيضطر القضاة إلى البت في قضيتين محوريتين: الأولى تتعلق بمحاولة ترامب غير المسبوقة استخدام صلاحيات الطوارئ لفرض رسوم جمركية على حلفاء وخصوم في آن واحد، والثانية تخص صراعه المتصاعد مع الاحتياطي الفيدرالي. والقرار الذي ستصدره المحكمة لن يؤثر فقط على حدود سلطات ترامب، بل سيحدد أيضاً مستقبل الاقتصاد الأميركي والعالمي لسنوات طويلة.

أوضح مقال أتلانتيك كاونسل أن المواجهة مع الاحتياطي الفيدرالي بدأت عندما حاول ترامب إقالة ليزا كوك، عضوة مجلس الاحتياطي الفيدرالي التي عيّنها جو بايدن عام 2022. استند ترامب في قراره إلى اتهامات بارتكاب مخالفات تتعلق بقروض عقارية سبقت فترة عملها في البنك المركزي، وهي اتهامات دفع بها مسؤول عيّنه ترامب في وكالة التمويل العقاري.

وأرسل مسؤولون من وزارة العدل خطاباً يضغط على جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، لإقالتها فوراً. لكن كوك رفضت الاستقالة، مؤكدة أنّ الرئيس لا يملك السلطة القانونية لعزلها. هكذا وضع ترامب سابقة تاريخية، إذ لم يشهد البنك المركزي منذ أكثر من قرن أي محاولة لعزل عضو من مجلسه.

أشار التحليل إلى أنّ باول يجد نفسه الآن أمام قرار مصيري: هل يسمح لكوك بمزاولة عملها بينما تتحرك القضية في أروقة المحاكم، أم يفسح المجال لتفسير جديد يقلّص استقلالية البنك المركزي؟ ورجّح الكاتب أن تمنح المحاكم كوك حق الاستمرار، لكن بقاءها الفعلي في موقعها يعتمد على موقف باول.

في نهاية المطاف، ستفصل المحكمة العليا في القضية، وعليها أن تجيب عما إذا كان الادعاء بشأن معاملات عقارية قديمة يدخل ضمن مبررات "العزل لأسباب موجبة" التي نصّت عليها أحكام سابقة. وإذا أقرّت المحكمة بعزلها، سيعزز ترامب قبضته على الاحتياطي الفيدرالي ويهدد استقلاليته، وهو ما قد يفتح الباب لمخاطر تضخم اقتصادي وانهيارات مشابهة لتجارب أسواق ناشئة فقدت استقلالية بنوكها المركزية.

إلى جانب هذه القضية، تواجه المحكمة العليا اختباراً أكبر يتعلق باستخدام ترامب لقانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الصادر عام 1977. فقد فرض رسوماً جمركية واسعة النطاق على دول حليفة وأخرى منافسة، مستنداً إلى إعلان "حالة طوارئ وطنية" مرتبطة بعجز الميزان التجاري. لكن القانون لم يُستخدم تاريخياً إلا في سياق العقوبات الاقتصادية، ولم يذكر شيئاً عن الرسوم الجمركية. وهكذا ستناقش المحكمة أسئلة قانونية جوهرية: هل يحق للرئيس استخدام هذا القانون لتبرير الرسوم؟ هل يتجاوز ذلك صلاحيات الكونجرس المنصوص عليها في الدستور؟ وهل يُعتبر العجز التجاري المزمن حالة طوارئ حقيقية تبرّر هذه الإجراءات؟

يشير الكاتب إلى أنّ ترامب وسّع التبريرات، إذ ربط الرسوم المفروضة على كندا والمكسيك بقضية تهريب الفنتانيل، وهو ربط اعتبرته المحاكم أدنى درجة من الإقناع. بعض المحاكم الدنيا حكمت بالفعل بعدم صلاحية ترامب لاستخدام هذا القانون لهذه الأغراض، بما في ذلك حكم بالإجماع من محكمة التجارة الدولية. لكن مع تعدد الدعاوى القضائية، بات مؤكداً أنّ المحكمة العليا ستضطر إلى التدخل قريباً.

ينبّه ليبسكي إلى أنّ حكم المحكمة ستكون له تداعيات عالمية، لأن دولاً كثيرة تترقب ما إذا كان ترامب سيحتفظ بأداة تسمح له بابتزاز الشركاء الاقتصاديين بزيادة الرسوم متى شاء. وحتى لو خسرت إدارة ترامب القضية، يظل بيدها أدوات قانونية أخرى يمكنها توظيفها لفرض الرسوم، ما يعني أنّ العالم سيدخل على الأرجح مرحلة من الحماية التجارية المتزايدة. لكن إذا حكمت المحكمة لصالح ترامب، فسيجد نفسه مدعوماً بسلطة شبه مطلقة في استخدام الرسوم الجمركية كسلاح تفاوضي في السياسة الخارجية والاقتصاد.

استعرض المقال خلفية تاريخية للمحكمة العليا مع القضايا الاقتصادية، مشيراً إلى أنها منذ تأسيس الولايات المتحدة لعبت دوراً محورياً في ترسيم حدود السياسة الاقتصادية. ففي القرن التاسع عشر، ثبّتت شرعية "البنك الوطني" رغم اعتراضات الرئيس أندرو جاكسون. وفي القرن العشرين، سمح القضاة باستخدام البيانات الديموجرافية في قضايا تخص حقوق العمل. لكنهم ظلوا حذرين حيال التدخل في قضايا الاقتصاد الدولي، مفضلين ترك مساحة تقديرية للسلطة التنفيذية. غير أنّ سياسات ترامب الجريئة وضعتهم أمام تحدٍ لا مفر منه.

يختم ليبسكي بالقول، إنّ العالم يترقب عودة المحكمة العليا إلى الانعقاد في مطلع أكتوبر، حيث ستتضح معالم هذه المواجهة غير المسبوقة بين مؤسسة قضائية تسعى إلى حماية الدستور وبين رئيس يحاول إعادة صياغة النظام الاقتصادي العالمي وفق رؤيته الخاصة. وبغض النظر عن اتجاه الحكم، ستظل القضية نقطة فاصلة في علاقة السلطة التنفيذية بالاقتصاد العالمي وفي مصداقية استقلالية المؤسسات الأميركية.

 

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/trumps-economic-agenda-is-set-to-collide-with-the-supreme-court/